الخميس، 10 مارس 2016

الرئيسية 2014: الأفعال النفسية بين الوصف والتنظير

2014: الأفعال النفسية بين الوصف والتنظير


تشترك الأفعال النفسية في مجموعة من الخصائص وتختلف في أخرى مما يجعلها تشكل حقلا دلاليا تتداخل وحداته المعجمية الواحدة بالأخرى، وأن افتراض حذف فعل  من هذا الحقل مؤداه أن معنى الفعل المحذوف سينتقل إلى فعل آخر  فيتضمن معنى أوسع مما كان عليه من قبل. ولتوضيح تداخل المداخل المعجمية ننظر في مداخل الفعل أحب الممثل لها في (9).
  (9) أ) أحبه               (ودّه ومال إليه بقلبه)
     ب) أُولِع به           (أحبه وعلق به شديدا)
     ج) شغِف به وبحبه     (أحبه  وأولع به)
      د) شُغِف به           (ارتفع حبه إلى قلبه فأحدث به مثل الجنون)
     ه) شغِف بحبه         (غشى حبه قلبه)  
     و) تومَّق            (تودد وتحبب)[1]
     ز) امتاط قلبه به     (لصق به وأحبه)
  ح) تحبب إليه        (تودد وأظهر الحب)
  ط)  ودَّه               (أحبه)
نلاحظ أن المعاجم العربية تفسر من خلال المداخل المعجمية في (9) الأفعال أحب ووَدَّ وأولع وشغف بالتناوب وهذا يطرح تداخلا دلاليا فيما بينها. وإذا نظرنا إلى بعض الإضافات المثمتلة في الميل بالقلب في أحب في (9أ) وعلق به شديدا في أولع في (9ب) وارتفع حبه إلى قلبه فأحدث به مثل الجنون في شغف في (9ج)، يتبين أن هذه الأفعال ليس لها نفس المعنى وأن هناك خصائص خاصة بكل فعل تحملها تلك الإضافات والغاية منها توضيح المعنى.
وإذا نظرنا في المعاجم العربية، نجد أن هناك طريقة موحدة ومتعمدة في وضع الأفعال المتناوبة في الشرح كما في (9)، وهذا يعني أن لهذا الوضع دلالته. ونلاحظ أن الأفعال التي توضع في الموقع الثاني غالبا ما تكون للتأكيد وتدفع بالمعنى للتوضيح مما يمنحها توسعا  دلاليا. ونجد هذا واضحا في أولع به إلى جانب أحبه في شُغِف به، وفي تحبب بالإضافة إلى تودد في تومق. كما نجد، أيضا، علق به شديدا إلى جانب أحبه في أولع به، ومال إليه بقلبه إلى جانب ودَّ في أحب. ويمكن التمثيل  لهذا التوسيع بالمعادلات التالية.
(10)   شُغِف به   = أحبه 1 +أولع به2
       أُولِع به    = أحبه1 + علق به شديدا2     
       أحب     = ود1 + ومال إليه بقلبه2
       تومَّق     = تودد1 + تحبب2  

يبدو من خلال المعادلة (10أن بعض الأفعال تتوسع لتدل على معاني بعضها البعض. فشَغَف يمعجم أحب وأولع، وأولع يمعجم أحب، وأحب يمعجم ودَّ. وبناء على هذه المعْجَمَة، يكون الفعل أولع أوسع دلالة من أحب، وأحب أوسع دلالة من ود. أما الفعل شغف فيجمع بين الفعلين أحب وأولع. وهذا يعني أن شغف أوسع دلالة من أحب وأولع، ولا يمكن لهذا التوسع أن يسير في الاتجاه المعاكس. من هنا، نفترض أن هناك تراتبا تنتظم على أساسه هذه الأفعال لكونها تشترك في الدلالة على التعلق والحب، ويتميز كل فعل منها بمعنى إضافي إلى جانب المعنى المشترك مما يجعلها تُرتَّب بالتَّدَرُّج. وإذا أخذنا بهذا الافتراض، نخلص إلى أن هذه الأفعال تدل على معنى مشترك وتختلف في المعنى الفرادي و يكون ذلك تدريجيا، أي في كل درجة يتولد فعل وذلك حسب طبيعة المعنى الفرادي الخاص به. وبناء على هذا الافتراض، يكون الفعل شغَف في الدرجة القصوى، و يتوسع للدلالة على الأفعال الأخرى التي تسفله كما يبين الشكل (11).

    ود    أحب   أولع     شغف


نستنتج من خلال  هذا التحليل أن كل فعل من الأفعال النفسية لا يكتسب قيمته إلا داخل المجموعة لكونها تشترك معه في خصائص وسمات، وبناء على هذه الأخيرة،  يمكن أن نفترض تراتبا دلاليا يقوم على التوليد ويتحكم في بناء وحدات كل طبقة من طبقات الأفعال النفسية ومعجمتها. وأن التوسع الدلالي يبدو منسجما مع التراتب المفترض ولا يمكن أن يسير في الاتجاه المعاكس. كما أن كل فعل من الأفعال النفسية يتضمن معنيين: معنى نواة ومعنى فرادي، والمعنى النواة مشترك بين  أفعال الحقل الدلالي، في حين أن المعنى الفرادي يصلح لتمييز الفعل عن الأفعال الأخرى التي يتقاسم معها جوانب المعنى. ويقوم الانتقال من المعنى النواة إلى المعنى الفرادي على خاصيتي الدرجية والامتداد الزمني.




[1]  نلاحظ أن هذه التراتبية بين الود والحب تتكرر في المعاجم العربية وليست موضوعة من باب الصدفة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

مـكـتـبـة الـفـيـديـو

يتم التشغيل بواسطة Blogger.